عمر هل؟ أعددت العدة لليوم الموعود
السؤال وجيه ولابد للإجابة عليه أن نعرج على حديث رسول الله : (7237) ــــ أخبرنا الحسنُ بنُ سُفيانَ ، قال: حدثنا إسحاقُ بنُ إبراهيم الحَنْظَليُّ ، قال: أخبرنا معاذُ بنُ هشامٍ ، قال: حَدَّثني أبي، عن قتادةَ ، قال:
حدثنا أنسُ بنُ مالك أَنَّ نبيَّ الله قال : «يُقَالُ للكافرِ يَوْمَ القِيامَةِ: أَرَأَيْتَ لو كانَ لكَ ملءُ الأَرْضِ ذهباً أَكُنْتَ تَفْتَديَ بهِ؟ فيَقُولُ: نَعَمْ، فيقالَ: قَدْ سُئِلْتَ أيسرَ مِنْ ذٰلكَ». (3:74)صحيح إبن حبان
باب جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْء
قوله: (باب) بالتنوين (جعل الله الرحمة في مائة جزء) هكذا ترجم ببعض الحديث، وفي رواية النسفي ” باب من الرحمة ” وللإسماعيلي ” باب ” بغير ترجمة.
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ الْبَهْرَانِيُّ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءاً وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءاً وَاحِداً فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ
قوله: (البهراني) بفتح الموحدة وسكون الهاء نسبة إلى قبيلة من قضاعة ينتهي نسبهم إلى بهر ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة، نزل أكثرهم حمص في الإسلام، قوله: (جعل الله الرحمة في مائة جزء) قال الكرماني كان المعنى يتم بدون الظرف فلعل ” في ” زائدة أو متعلقة بمحذوف، وفيه نوع مبالغة إذ جعلها مظروفا لها معنى بحيث لا يفوت منها شيء، وقال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون سبحانه وتعالى لما من على خلقه بالرحمة جعلها في مائة وعاء فأهبط منها واحدا للأرض، قلت: خلت أكثر الطرق عن الظرف كرواية سعيد المقبري عن أبي هريرة الآتية في الرقاق ” إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ” ولمسلم من رواية عطاء عن أبي هريرة ” إن لله مائة رحمة ” وله من حديث سلمان ” إن الله خلق مائة رحمة يوم خلق السماوات والأرض، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض ” وقال القرطبي: يجوز أن يكون معنى ” خلق ” اخترع وأوجد، ويجوز أن يكون بمعنى قدر، وقد ورد خلق بمعنى قدر في لغة العرب فيكون المعنى أن الله أظهر تقديره لذلك يوم أظهر تقدير السماوات والأرض، وقوله: ” كل رحمة تسع طباق الأرض ” المراد بها التعظيم والتكثير، وقد ورد التعظيم بهذا اللفظ في اللغة والشرع كثيرا، قوله: (فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا) في رواية عطاء ” وأخر عنده تسعة وتسعين رحمة ” وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم ” وخبأ عنده مائة إلا واحدة”، قوله: (وأنزل في الأرض جزءا واحدا) في رواية المقبري ” وأرسل في خلقه كلهم رحمة ” وفي رواية عطاء ” أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والأنس والبهائم ” وفي حديث سلمان ” فجعل منها في الأرض واحدة ” قال القرطبي هذا نص في أن الرحمة يراد بها متعلق الإرادة لا نفس الإرادة، وأنها راجعة إلى المنافع والنعم، قوله: (فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) في رواية عطاء ” فيها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها ” وفي حديث سلمان ” فيها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض ” قال ابن أبي جمرة: خص الفرس بالذكر لأنها أشد الحيوان المألوف الذي يعاين المخاطبون حركته مع ولده، ولما في الفرس من الخفة والسرعة في التنقل، ومع ذلك تتجنب أن يصل الضرر منها إلى ولدها، ووقع في حديث سلمان عند مسلم في آخره من الزيادة ” فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة مائة ” وفيه إشارة إلى أن الرحمة التي في الدنيا بين الخلق تكون فيهم يوم القيامة يتراحمون بها أيضا، وصرح بذلك المهلب فقال: الرحمة التي خلقها الله لعباده وجعلها في نفوسهم في الدنيا هي التي يتغافرون بها يوم القيامة التبعات بينهم، قال: ويجوز أن يستعمل الله تلك الرحمة فيهم فيرحمهم بها سوى رحمته التي وسعت كل شيء وهي التي من صفة ذاته ولم يزل موصوفا بها، فهي التي يرحمهم بها زائدا على الرحمة التي خلقها لهم، قال: ويجوز أن تكون الرحمة التي أمسكها عند نفسه هي التي عند ملائكته المستغفرين لمن في الأرض، لأن استغفارهم لهم دال على أن في نفوسهم الرحمة لأهل الأرض، قلت: وحاصل كلامه أن الرحمة رحمتان، رحمة من صفة الذات وهي لا تتعدد، ورحمة من صفة الفعل وهي المشار إليها هنا، ولكن ليس في شيء من طرق الحديث أن التي عند الله رحمة واحدة بل اتفقت جميع الطرق على أن عنده تسعة وتسعين رحمة، وزاد في حديث سلمان أنه يكملها يوم القيامة مائة بالرحمة التي في الدنيا، فتعدد الرحمة بالنسبة للخلق، وقال القرطبي: مقتضى هذا الحديث أن الله علم إن أنواع النعم التي ينعم بها على خلقه مائة نوع، فأنعم عليهم في هذه الدنيا بنوع واحد انتظمت به مصالحهم وحصلت به مرافقهم، فإذا كان يوم القيامة كمل لعباده المؤمنين ما بقي فبلغت مائة وكلها للمؤمنين، وإليه الإشارة بقوله تعالى: (وكان بالمؤمنين رحيما) فإن رحيما من أبنية المبالغة التي لا شيء فوقها، ويفهم من هذا أن الكفار لا يبقى لهم حظ من الرحمة لا من جنس رحمات الدنيا ولا من غيرها إذا كمل كل ما كان في علم الله من الرحمات للمؤمنين، وإليه الإشارة بقوله تعالى: (فسأكتبها للذين يتقون) الآية، وقال الكرماني: الرحمة هنا عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخير، والقدرة في نفسها غير متناهية، والتعليق غير متناه، لكن حصره في مائة على سبيل التمثيل تسهيلا للفهم وتقليلا لما عند الخلق وتكثيرا لما عند الله سبحانه وتعالى، وأما مناسبة هذا العدد الخاص فحكى القرطبي عن بعض الشراح أن هذا العدد الخاص أطلق لإرادة التكثير والمبالغة فيه، وتعقبه بأنه لم تجر عادة العرب بذلك في المائة وإنما جرى في السبعين، كذا قال، وقال ابن أبي جمرة: ثبت أن نار الآخرة تفضل نار الدنيا بتسع وستين جزءا فإذا قوبل كل جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزءا، فيؤخذ منه أن الرحمة في الآخرة أكثر من النقمة فيها، ويؤيده قوله: ” غلبت رحمتي غضبي”، قلت: لكن تبقى مناسبة خصوص هذا العدد، فيحتمل أن تكون مناسبة هذا العدد الخاص لكونه مثل عدد درج الجنة، والجنة هي محل الرحمة، فكان كل رحمة بإزاء درجة، وقد ثبت أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى، فمن نالته منها رحمة واحدة كان أدنى أهل الجنة منزلة، وأعلاهم منزلة من حصلت له جميع الأنواع من الرحمة، وقال ابن أبي جمرة: في الحديث إدخال السرور على المؤمنين، لأن العادة أن النفس يكمل فرحها بما وهب لها إذا كان معلوما مما يكون موعودا، وفيه الحث على الإيمان، واتساع الرجاء في رحمات الله تعالى المدخرة، قلت: وقد وقع في آخر حديث سعيد المقبري في الرقاق ” فلو يعلم الكافر بكل ما عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ” وأفرده مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى.(فتح الباري)
باب مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّب
قوله (باب من نوقش الحساب عذب) هو من النقش وهو استخراج الشوكة وتقدم بيانه في الجهاد؛ والمراد بالمناقشة الاستقصاء في المحاسبة والمطالبة بالجليل والحقير وترك المسامحة، يقال انتقشت منه حقي أي استقصيته.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ قَالَتْ قُلْتُ أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا قَالَ ذَلِكِ الْعَرْضُ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ وَأَيُّوبُ وَصَالِحُ بْنُ رُسْتُمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله (عن ابن أبي مليكة عن عائشة) قال الدار قطني: رواه حاتم بن أبي صغيرة عن عبد الله ابن أبي مليكة فقال ” حدثني القاسم بن محمد حدثتني عائشة ” وقوله أصح لأنه زاد، وهو حافظ متقن، وتعقبه النووي وغيره بأنه محمول على أنه سمع من عائشة وسمعه من القاسم عن عائشة فحدث به على الوجهين، قلت: وهذا مجرد احتمال، وقد وقع التصريح بسماع ابن أبي مليكة له عن عائشة في بعض طرقه كما في السند الثاني من هذا الباب فانتفى التعليل بإسقاط رجل من السند، وتعين الحمل على أنه سمع من القاسم عن عائشة ثم سمعه من عائشة بغير واسطة أو بالعكس، والسر فيه أن في روايته بالواسطة ما ليس في روايته بغير واسطة وإن كان مؤداهما واحدا، وهذا هو المعتمد بحمد الله.
قوله (عن النبي ) في رواية عبد بن حميد عن عبد الله بن موسى شيخ البخاري فيه ” سمعت النبي ”.
قوله (قالت قلت أليس يقول الله تعالى فسوف يحاسب) في رواية عبد ” قلت يا رسول الله إن الله يقول (فأما من أوتي كتابه بيمينه - إلى قوله - حسابا يسيرا) ” ولأحمد من وجه آخر عن عائشة ” سعت رسول الله يقول في بعض صلاته: اللهم حاسبني حسابا يسيرا، فلما انصرف قلت: يا رسول الله ما الحساب اليسير قال: أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه؛ إن من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك ” قوله في السند الثاني (مثله) تقدم في تفسير سورة انشقت بهذا السند ولم يسق لفظه أيضا، وأورده الإسماعيلي من رواية أبكر بن خلاد عن يحيى بن سعيد فقال مثل حديث عبيد الله بن موسى سواء.
قوله (تابعه ابن جريح ومحمد بن سليم وأيوب وصالح بن رستم عن ابن أبي مليكة عن عائشة) قلت متابعة ابن جريح ومحمد بن سليم وصلهما أبو عوانة في صحيحه من طريق أبي عاصم عن ابن جريج وعثمان بن الأسود ومحمد بن سليم كلهم عن ابن أبي مليكة عن عائشة به، (تنبيهان) : أحدهما اختلف على ابن جريح في سند هذا الحديث، فأخرجه ابن مردويه من طريق أخرى عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة مختصرا ولفظه ” من حوسب يوم القيامة عذب”، ثانيهما محمد بن سليم هذا جزم أبو علي الجياني بأنه أبو عثمان المكي وقال: استشهد به البخاري في الرقاق، وفرق بينه وبين محمد بن سليم البصري وهو أبو هلال الراسبي استشهد به البخاري في التعبير، وأما المزي فلم يذكر أبا عثمان في التهذيب بل اقتصر على ذكر أبي هلال وعلم علامة التعليق على اسمه في ترجمة ابن أبي مليكة وهو الذي هنا وعلى محمد بن سيرين وهو الذي في التعبير، والذي يظهر تصويب أبي علي، ومحمد بن سليم أبو عثمان المذكور ذكره البخاري في التاريخ فقال: يروى عن ابن أبي مليكة وروى عنه وكيع، وقال ابن أبي حاتم روى عنه أبو عاصم ونقل عن إسحاق ابن منصور عن يحيى بن معين قال هو ثقة، وقال أبو حاتم صالح، وذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات، وأما متابعة أيوب فوصلها المؤلف في التفسير من رواية حماد بن زيد عن أيوب ولم يسق لفظه، وأخرجه أبو عوانة في صحيحه عن إسماعيل القاضي عن سليمان شيخ البخاري فيه ولفظه ” من حوسب عذب، قالت عائشة: فقلت يا رسول الله فأين قول الله تعالى (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا) قال: ذاك العرض، ولكنه من نوقش الحساب عذب ” وأخرجه من طريق همام عن أيوب بلفظ ” من نوقش عذب فقالت كأنها تخاصمه فذكر نحوه وزاد في آخره: قالها ثلاث مرات ” وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن حماد بلفظ ” ذاكم العرض ” بزيادة ميم الجماعة، وأما متابعة صالح بن رستم بضم الراء وسكون المهملة وضم المثناة وهو أبو عامر الحزاز بمعجمات مشهور بكنيته أكثر من اسمه فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده، عن النضر بن شميل عن أبي عامر الخزاز، ووقعت لنا بعلو في ” المحامليات ” وفي لفظه زيادة ” قال عن عائشة قالت قلت إني لأعلم أي آية في القرآن أشد، فقال لي النبي : وما هي قلت (من يعمل سوءا يجز به) فقال: إن المؤمن يجازى بأسوأ عمله في الدنيا يصيبه المرض حتى النكبة، ولكن من نوقش الحساب يعذبه، قالت قلت: أليس قال الله تعالى ” فذكر مثل حديث إسماعيل بن إسحاق، وأخرجه الطبري وأبو عوانة وابن مردويه من عدة طرق عن أبي عامر الخزاز نحوه.
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ قوله (حاتم بن أبي صغيرة) بفتح المهملة كسر الغين المعجمة وكنية حاتم أبو يونس واسم أبي صغيرة مسلم وقد قيل إنه زوج أم أبي يونس وقيل جده لأمه.
قوله (ليس احد يحاسب يوم القيامة إلا هلك، ثم قال أخيرا: وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب) وكلاهما يرجعان إلى معنى واحد لأن المراد بالمحاسبة تحرير الحساب فيستلزم المناقشة ومن عذب فقد هلك، وقال القرطبي في ” المفهم ” قوله ” حوسب ” أي حساب استقصاء وقوله ” عذب ” أي في النار جزاء على السيئات التي أظهرها حسابه، وقوله ”هلك ” أي بالعذاب في النار، قال: وتمسكت عائشة بظاهر لفظ الحساب لأنه يتناول القليل والكثير.
قوله (يناقش الحساب) بالنصب على نزع الخافض والتقدير يناقش في الحساب.
قوله (أليس قد قال الله تعالى) تقدم في تفسير سورة انشقت من رواية يحيى القطان عن أبي يونس بلفظ ” فقلت يا رسول الله جعلني الله فداءك أليس يقول الله تعالى”.
قوله (إنما ذلك العرض) في رواية القطان ” قال ذاك العرض تعرضون ومن نوقش الحساب هلك ” وأخرج الترمذي لهذا الحديث شاهدا من رواية همام عن قتادة عن أنس رفعه ” من حوسب عذب ” وقاله غريب، قلت: والراوي له عن همام على بن أبي بكر صدوق وربما أخطأ، قال القرطبي: معنى قوله ” إنما ذلك العرض ” أن الحساب المذكور في الآية إنما هو أن تعرض أعمال المؤمن عليه حتى يعرف منة الله عليه في سترها عليه في الدنيا وفي عفوه عنها في الآخرة كما في حديث ابن عمر في النجوى، قال عياض: قوله ” عذب ” له معنيان أحدهما أن نفس مناقشه الحساب وعرض الذنوب والتوقيف على قبيح ما سلف والتوبيخ تعذيب، والثاني أنه يفضي إلى استحقاق العذاب إذ لا حسنة للعبد إلا من عند الله لإقداره عليها وتفضيله عليه بها وهدايته لها ولأن الخالص لوجهه قليل، ويؤيد هذا الثاني قوله في الرواية الأخرى ” هلك ” وقال النووي: التأويل الثاني هو الصحيح لأن التقصير غالب على الناس، فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك، وقال غيره: وجه المعارضة أن لفظ الحديث عام في تعذيب كل من حوسب ولفظ الآية دال على أن بعضهم لا يعذب؛ وطريق الجمع أن المراد بالحساب في الآية العرض وهو إبراز الأعمال وإظهارها فيعرف صاحبها بذنوبه ثم يتجاوز عنه، ويؤيده ما وقع عند البزار والطبري من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير ” سمعت عائشة تقول: سألت رسول الله عن الحساب اليسير قال: الرجل تعرض عليه ذنوبه ثم يتجاوز له عنها ” وفي حديث أبي ذر عند مسلم ” يؤتي بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه ” الحديث وفي حديث جابر عند ابن أبي حاتم والحاكم ” من زادت حسناته على سيئاته فذاك الذي يدخل الجنة بغير حساب، ومن استوت حسناته وسيئاته فذاك الذي يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة، ومن زادت سيئاته على حسناته فذاك الذي أوبق نفسه وإنما الشفاعة في مثله ” ويدخل في هذا حديث ابن عمر في النجوى وقد أخرجه المصنف في كتاب المظالم وفي تفسير سورة هود وفي التوحيد وفيه ” ويدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول: أعملت كذا وكذا فيقول: نعم فيقرره، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ” وجاء في كيفية العرض ما أخرجه الترمذي من رواية على بن على الرفاعي عن الحسن عن أبي هريرة رفعه ” تعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: فأما عرضتان فجدال ومعاذير وعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله ” قال الترمذي: لا يصح لأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد رواه بعضهم عن على بن على الرفاعي عن الحسن عن أبي موسى انتهى، وهو عند ابن ماجه وأحمد من هذا الوجه مرفوعا، وأخرجه البيهقي في البعث بسند حسن عن عبد الله بن مسعود موقوفا، قال الترمذي الحكيم: الجدال للكفار يجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوا نجوا، والمعاذير اعتذار الله لآدم وأنبيائه بإقامته الحجة على أعدائه، والثالثة للمؤمنين وهو العرض الأكبر، (تنبيه) : وقع في رواية لابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا ” لا يحاسب رجل يوم القيامة إلا دخل الجنة ” وظاهره يعارض حديثها المذكور في الباب، وطريق الجمع بينهما أن الحديثين معا في حق المؤمن، ولا منافاة بين التعذيب ودخول الجنة لأن الموحد وإن قضى عليه بالتعذيب فإنه لا بد أن يخرج من النار بالشفاعة أو بعموم الرحمة.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ
حديث أنس ” يجاء بالكافر ” ذكره من رواية هشام الدستوائي ومن رواية سعيد وهو ابن أبي عروبة كلاهما عن قتادة وساقه بلفظ سعيد، وأما لفظ هشام فأخرجه مسلم والإسماعيلي من طرق عن معاذ بن هشام عن أبيه بلفظ ” يقال للكافر ” والباقي مثله وهو بضم أول يجاء ويقال، وسيأتي بعد باب في ” باب صفة الجنة والنار ” من رواية أبي عمران الجوني عن أنس التصريح بأن الله سبحانه هو الذي يقول له ذلك ولفظه ” يقول الله عز وجل لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة: لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدى به فيقول نعم ” ورواه مسلم والنسائي من طريق ثابت عن أنس، وظاهر سياقه أن ذلك يقع للكافر بعد أن يدخل النار ولفظه ” يؤتى بالرجل من أهل النار فيقال يا ابن آدم كيف وجدت مضجعك فيقول: شر مضجع، فيقال له: هل تفتدي بقراب الأرض ذهبا فيقول نعم يا رب، فيقال له كذبت ” ويحتمل أن يراد بالمضجع هنا مضجعه في القبر فيلتئم مع الروايات الأخرى.
قوله (فيقال له) زاد مسلم في رواية سعيد كذبت.
قوله (فد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك) في رواية أبي عمران فيقول ” أردت منك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك شيئا، فأبيت إلا أن تشرك بي ” وفي رواية ثابت ” قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل فيؤمر به إلى النار ” قال عياض: يشير بذلك إلى قوله تعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) الآية فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا فهو مؤمن، ومن لم يوف به فهو الكافر، فمراد الحديث أردت منك حين أخذت الميثاق فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك، ويحتمل أن يكون المراد بالإرادة هنا الطلب والمعنى أمرتك فلم تفعل، لأنه سبحانه وتعالى لا يكون في ملكه إلا ما يريد، واعترض بعض المعتزلة بأنه كيف يصح أن يأمر بما لا يريد والجواب أن ذلك ليس بممتنع ولا مستحيل، وقال المازري: مذهب أهل السنة أن الله تعالى أراد إيمان المؤمن وكفر الكافر، ولو أراد من الكافر الإيمان لآمن، يعني لو قدره عليه لوقع، وقال أهل الاعتزال: بل أراد من الجميع الإيمان فأجاب المؤمن وامتنع الكافر، فحملوا الغائب على الشاهد لأنهم رأوا أن مريد الشر شرير والكفر شر فلا يصح أن يريده الباري، وأجاب أهل السنة عن ذلك بأن الشر شر في حق المخلوقين، وأما في حق الخالق فإنه يفعل ما يشاء، وإنما كانت إرادة الشر شرا لنهي الله عنه، والباري سبحانه ليس فوقه أحد يأمره فلا يصح أن تقاس إرادته على إرادة المخلوقين، وأيضا فالمريد لفعل ما إذا لم يحصل ما أراده آذن ذلك بعجزه وضعفه والباري تعالى لا يوصف بالعجز والضعف فلو أراد الإيمان من الكافر ولم يؤمن لآذن ذلك بعجز وضعف، تعالى الله عن ذلك، وقد تمسك بعضهم بهذا الحديث المتفق على صحته، والجواب عنه ما تقدم، واحتجوا أيضا بقوله تعالى (ولا يرضى لعباده الكفر) وأجيبوا بأنه من العام المخصوص بمن قضى الله له الإيمان، فعباده على هذا الملائكة ومؤمنو الإنس والجن وقال آخرون: الإرادة معنى الرضا، ومعنى قوله (ولا يرضى) أي لا يشكره لهم ولا يثيبهم عليه، فعلى هذا فهي صفة فعل، وقيل معنى الرضا أنه لا يرضاه دينا مشروعا لهم، وقيل الرضا صفة وراء الإرادة، وقيل الإرادة تطلق بإزاء شيئين إرادة تقدير وإرادة رضا، والثانية أخص من الأولى والله أعلم، وقيل: الرضا من الله إرادة الخير كما أن السخط إرادة الشر، وقال النووي: قوله ” فيقال له كذبت ” معناه لو رددناك إلى الدنيا لما افتديت لأنك سئلت أيسر من ذلك فأبيت، ويكون من معنى قوله تعالى (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) وبهذا يجتمع معنى هذا الحديث مع قوله تعالى (لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به) ، قال: وفي الحديث من الفوائد جواز قول الإنسان يقول الله خلافا لمن كره ذلك، وقال: إنما يجوز قال الله تعالى وهو قول شاذ مخالف لأقوال العلماء من السلف والخلف، وقد تظاهرت به الأحاديث، وقال الله تعالى (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) .
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي خَيْثَمَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ثُمَّ يَنْظُرُ فَلَا يَرَى شَيْئًا قُدَّامَهُ ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ قَالَ الْأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عَمْرٌو عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثُمَّ قَالَ اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلَاثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ
قوله (حدثني خيثمة) بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها مثلثة هو ابن عبد الرحمن الجعفي.
قوله (عن عدي بن حاتم) هو الطائي.
قوله (ما منكم من أحد) ظاهر الخطاب للصحابة، ويلتحق بهم المؤمنون كلهم سابقهم ومقصرهم أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة.
قوله (إلا سيكلمه الله) في رواية وكيع عن الأعمش عنه ابن ماجه ” سيكلمه ربه”.
قوله (ليس بينه وبينه ترجمان) لم يذكر في هذه الرواية ما يقول وبينه في رواية محل بن خليفة عن عدي بن حاتم في الزكاة بلفظ ” ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له، ثم ليقولن له: ألم أوتك مالا فيقول: بلى ” الحديث والترجمان تقدم ضبطه في بدء الوحي في شرح قصه هرقل.
قوله (ثم ينظر فلا يرى قدامه) بضم القاف وتشديد الدال أي أمامه ووقع في رواية عيسى بن يونس عن الأعمش في التوحيد وعند مسلم بلفظ ” فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدمه، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ” وأخرجه الترمذي من رواية أبي معاوية بلفظ ” فلا يرى شيئا إلا شيئا قدمه ” وفي رواية محل بن خليفة ” فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، وينظر عن شماله فلا يرى إلا النار ” وهذه الرواية مختصرة ورواية خيثمة مفسرة فهي المعتمدة في ذلك، وقوله أيمن وأشأم بالنصب فيهما على الظرفية والمراد بهما اليمين والشمال، قال ابن هبيرة: نظر اليمين والشمال هنا كالمثل لأن الإنسان من شأنه إذا دهمه أمر أن يلتفت يمينا وشمالا يطلب الغوث، قلت: ويحتمل أن يكون سبب الالتفات أنه يترجى أن يجد طريقا يذهب فيها ليحصل له النجاة من النار فلا يرى إلا ما يفضي به إلى النار كما وقع في رواية محل بن خليفة.
قوله (ثم ينظر بين يديه فتسق بله النار) في رواية عيسى ” وينظر بين يده فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ” وفي رواية أبي معاوية ” ينظر تلقاء وجهه فتستقبله النار ” قال ابن هبيرة: والسبب في ذلك أن النار تكون في ممره فلا يمكنه أن يجيد عنها إذ لا بد له من المرور على الصراط.
قوله (فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة) زاد وكيع في روايته ” فليفعل ” وفي رواية أبي معاوية ” أن يقي وجهه النار ولو بشق تمرة فليفعل ” وفي رواية عيسى ” فاتقوا النار ولو بشق تمرة ” أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية من الصدقة وعمل البر ولو بشيء يسير.
قوله (قال الأعمش) هو موصول بالسند المذكور، وقد أخرجه مسلم من رواية معاوية عن الأعمش كذلك، وبين عيسى بن يونس في روايته أن القدر الذي زاده عمرو بن مرة للأعمش في حديثه عن خيثمة قوله في آخره ” فمن لم يجد فبكلمة طيبة ” وقد مضى الحديث بأتم سياقا من هذا في رواية محل بن خليفة في الزكاة.
قوله (حدثني عمرو) هو ابن مرة وصرح به رواية عيسى بن يونس. قوله (اتقوا النار ثم أعرض وأشاح) بشين معجمة وحاء مهملة أي أظهر الحذر منها، وقال الخليلي: أشاح بوجهه عن الشيء نحاه عنه، وقال الفراء المشيح الحذر والجاد في الأمر والمقبل في خطابه، فيصح أحد هذه المعاني أو كلها أي حذر النار كأنه ينظر إليها أو جد على الوصية باتقائها أو أقبل على أصحابه في خطابه بعد أن أعرض عن النار لما ذكرها، وحكى ابن التين أن معنى أشاح صد وانكمش، وقيل صرف وجهه كالخائف أن تناله، قلت: والأول أوجه لأنه قد حصل من قوله أعرض، ووقع في رواية أبي معاوية في أوله ” ذكر رسول الله النار فأعرض وأشاح ثم قال اتقوا النار”. قوله (ثلاثا) في رواية أبي معاوية ” ثم قال اتقوا النار، وأعرض وأشاح حتى ظننا أنه كان ينظر إليها ” وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية جرير عن الأعمش، قال ابن هبيرة وابن أبي جمرة في حديث إن الله يكلم عباده المؤمنين في الدار الآخرة بغير واسطة: وفيه الحث على الصدقة، قال ابن أبي جمرة: وفيه دليل على قبول الصدقة ولو قلت، وقد قيدت في الحديث بالكسب الطيب، وفيه إشارة إلى ترك احتقار القليل من الصدقة وغيرها، وفيه حجة لأهل الزهد حيث قالوا الملتفت هالك يؤخذ من أن نظر المذكور عن يمينه وعن شماله فيه صورة الالتفات فلذا لما نظر أمامه استقبلته النار، وفيه دليل على قرب النار من أهل الموقف، وقد أخرج البيهقي في البعث من مرسل عبد الله بن باباه بسند رجاله ثقات رفعه ” كأني أراكم بالكوم جثى من دون جهنم ” وقوله ” جثى ” بضم الجيم بعدها مثلثة مقصور جمع جاث، والكوم بفتح الكاف الواو الساكنة المكان العالي الذي تكون عليه أمة محمد كما ثبت في حديث كعب بن مالك عند مسلم أنهم يكونون يوم القيامة على تل عال، وفيه أن احتجاب الله عن عباده ليس بحائل حسي بل بأمر معنوي يتعلق بقدرته، يؤخذ من قوله ثم ينظر فلا يرى قدامه شيئا، وقال ابن هبيرة المراد بالكلمة الطيبة هنا يدل على هدى أو يرد عن ردى أو يصلح بين اثنين أو يفصل بين متنازعين أول يحل مشكلا أو يكشف غامضا أو يدفع ثائرا أو يسكن غضبا، والله سبحانه وتعالى أعلم.(فتح الباري), مما تقدم من الحديث النبوي الشريف عن الرواة نعلم أن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم
لمن سارع في التوبة وكان من الصالحين ولكنه كذلك شديد العقاب على من كابر وعصاه ومات على الشرك والكفروالعصيان ألهم أهمنا الصبر وإجعلنا من التوابين الأوابين وإرحمنا برحمتك وإعفوا عنا بعفوك ياأرحم الراحمين وياأكرم الأكرمين وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وبعد: إخواني وأخواتي في الله الكرام عنه : قوله: (أخبرنا علي بن مسعدة الباهلي) أبو حبيب البصري صدوق له أوهام من السابعة.
قوله: (كل ابن آدم خطاء) أي كثير الخطأ أفرد نظراً إلى لفظ الكل، وفي رواية خطاؤون نظراً إلى معنى الكل، قيل أراد الكل من حديث هو كل أو كل واحد. وأما الأنبياء صلوات الله عليهم فإما مخصوصون عن ذلك، وإما أنهم أصحاب صغائر. والأول أولى فإن ما صدر عنهم من باب ترك الأولى، أو يقال: الزلات المنقولة عن بعضهم محمولة على الخطأ والنسيان من غير أن يكون لهم قصد إلى العصيان قاله القاري (وخير الخطائين التوابون) أي الرجاعون إلى الله بالتوبة من المعصية إلى الطاعة. فنرجوا من الله عز وجل أن نكون من التوابون إلى الله عن جميع الذنوب والآثام والخطايا وأن يتقبل منا صالح عملنا أمين
السؤال وجيه ولابد للإجابة عليه أن نعرج على حديث رسول الله : (7237) ــــ أخبرنا الحسنُ بنُ سُفيانَ ، قال: حدثنا إسحاقُ بنُ إبراهيم الحَنْظَليُّ ، قال: أخبرنا معاذُ بنُ هشامٍ ، قال: حَدَّثني أبي، عن قتادةَ ، قال:
حدثنا أنسُ بنُ مالك أَنَّ نبيَّ الله قال : «يُقَالُ للكافرِ يَوْمَ القِيامَةِ: أَرَأَيْتَ لو كانَ لكَ ملءُ الأَرْضِ ذهباً أَكُنْتَ تَفْتَديَ بهِ؟ فيَقُولُ: نَعَمْ، فيقالَ: قَدْ سُئِلْتَ أيسرَ مِنْ ذٰلكَ». (3:74)صحيح إبن حبان
باب جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْء
قوله: (باب) بالتنوين (جعل الله الرحمة في مائة جزء) هكذا ترجم ببعض الحديث، وفي رواية النسفي ” باب من الرحمة ” وللإسماعيلي ” باب ” بغير ترجمة.
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ الْبَهْرَانِيُّ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءاً وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءاً وَاحِداً فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ
قوله: (البهراني) بفتح الموحدة وسكون الهاء نسبة إلى قبيلة من قضاعة ينتهي نسبهم إلى بهر ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة، نزل أكثرهم حمص في الإسلام، قوله: (جعل الله الرحمة في مائة جزء) قال الكرماني كان المعنى يتم بدون الظرف فلعل ” في ” زائدة أو متعلقة بمحذوف، وفيه نوع مبالغة إذ جعلها مظروفا لها معنى بحيث لا يفوت منها شيء، وقال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون سبحانه وتعالى لما من على خلقه بالرحمة جعلها في مائة وعاء فأهبط منها واحدا للأرض، قلت: خلت أكثر الطرق عن الظرف كرواية سعيد المقبري عن أبي هريرة الآتية في الرقاق ” إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ” ولمسلم من رواية عطاء عن أبي هريرة ” إن لله مائة رحمة ” وله من حديث سلمان ” إن الله خلق مائة رحمة يوم خلق السماوات والأرض، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض ” وقال القرطبي: يجوز أن يكون معنى ” خلق ” اخترع وأوجد، ويجوز أن يكون بمعنى قدر، وقد ورد خلق بمعنى قدر في لغة العرب فيكون المعنى أن الله أظهر تقديره لذلك يوم أظهر تقدير السماوات والأرض، وقوله: ” كل رحمة تسع طباق الأرض ” المراد بها التعظيم والتكثير، وقد ورد التعظيم بهذا اللفظ في اللغة والشرع كثيرا، قوله: (فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا) في رواية عطاء ” وأخر عنده تسعة وتسعين رحمة ” وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم ” وخبأ عنده مائة إلا واحدة”، قوله: (وأنزل في الأرض جزءا واحدا) في رواية المقبري ” وأرسل في خلقه كلهم رحمة ” وفي رواية عطاء ” أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والأنس والبهائم ” وفي حديث سلمان ” فجعل منها في الأرض واحدة ” قال القرطبي هذا نص في أن الرحمة يراد بها متعلق الإرادة لا نفس الإرادة، وأنها راجعة إلى المنافع والنعم، قوله: (فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) في رواية عطاء ” فيها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها ” وفي حديث سلمان ” فيها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض ” قال ابن أبي جمرة: خص الفرس بالذكر لأنها أشد الحيوان المألوف الذي يعاين المخاطبون حركته مع ولده، ولما في الفرس من الخفة والسرعة في التنقل، ومع ذلك تتجنب أن يصل الضرر منها إلى ولدها، ووقع في حديث سلمان عند مسلم في آخره من الزيادة ” فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة مائة ” وفيه إشارة إلى أن الرحمة التي في الدنيا بين الخلق تكون فيهم يوم القيامة يتراحمون بها أيضا، وصرح بذلك المهلب فقال: الرحمة التي خلقها الله لعباده وجعلها في نفوسهم في الدنيا هي التي يتغافرون بها يوم القيامة التبعات بينهم، قال: ويجوز أن يستعمل الله تلك الرحمة فيهم فيرحمهم بها سوى رحمته التي وسعت كل شيء وهي التي من صفة ذاته ولم يزل موصوفا بها، فهي التي يرحمهم بها زائدا على الرحمة التي خلقها لهم، قال: ويجوز أن تكون الرحمة التي أمسكها عند نفسه هي التي عند ملائكته المستغفرين لمن في الأرض، لأن استغفارهم لهم دال على أن في نفوسهم الرحمة لأهل الأرض، قلت: وحاصل كلامه أن الرحمة رحمتان، رحمة من صفة الذات وهي لا تتعدد، ورحمة من صفة الفعل وهي المشار إليها هنا، ولكن ليس في شيء من طرق الحديث أن التي عند الله رحمة واحدة بل اتفقت جميع الطرق على أن عنده تسعة وتسعين رحمة، وزاد في حديث سلمان أنه يكملها يوم القيامة مائة بالرحمة التي في الدنيا، فتعدد الرحمة بالنسبة للخلق، وقال القرطبي: مقتضى هذا الحديث أن الله علم إن أنواع النعم التي ينعم بها على خلقه مائة نوع، فأنعم عليهم في هذه الدنيا بنوع واحد انتظمت به مصالحهم وحصلت به مرافقهم، فإذا كان يوم القيامة كمل لعباده المؤمنين ما بقي فبلغت مائة وكلها للمؤمنين، وإليه الإشارة بقوله تعالى: (وكان بالمؤمنين رحيما) فإن رحيما من أبنية المبالغة التي لا شيء فوقها، ويفهم من هذا أن الكفار لا يبقى لهم حظ من الرحمة لا من جنس رحمات الدنيا ولا من غيرها إذا كمل كل ما كان في علم الله من الرحمات للمؤمنين، وإليه الإشارة بقوله تعالى: (فسأكتبها للذين يتقون) الآية، وقال الكرماني: الرحمة هنا عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخير، والقدرة في نفسها غير متناهية، والتعليق غير متناه، لكن حصره في مائة على سبيل التمثيل تسهيلا للفهم وتقليلا لما عند الخلق وتكثيرا لما عند الله سبحانه وتعالى، وأما مناسبة هذا العدد الخاص فحكى القرطبي عن بعض الشراح أن هذا العدد الخاص أطلق لإرادة التكثير والمبالغة فيه، وتعقبه بأنه لم تجر عادة العرب بذلك في المائة وإنما جرى في السبعين، كذا قال، وقال ابن أبي جمرة: ثبت أن نار الآخرة تفضل نار الدنيا بتسع وستين جزءا فإذا قوبل كل جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزءا، فيؤخذ منه أن الرحمة في الآخرة أكثر من النقمة فيها، ويؤيده قوله: ” غلبت رحمتي غضبي”، قلت: لكن تبقى مناسبة خصوص هذا العدد، فيحتمل أن تكون مناسبة هذا العدد الخاص لكونه مثل عدد درج الجنة، والجنة هي محل الرحمة، فكان كل رحمة بإزاء درجة، وقد ثبت أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى، فمن نالته منها رحمة واحدة كان أدنى أهل الجنة منزلة، وأعلاهم منزلة من حصلت له جميع الأنواع من الرحمة، وقال ابن أبي جمرة: في الحديث إدخال السرور على المؤمنين، لأن العادة أن النفس يكمل فرحها بما وهب لها إذا كان معلوما مما يكون موعودا، وفيه الحث على الإيمان، واتساع الرجاء في رحمات الله تعالى المدخرة، قلت: وقد وقع في آخر حديث سعيد المقبري في الرقاق ” فلو يعلم الكافر بكل ما عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ” وأفرده مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى.(فتح الباري)
باب مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّب
قوله (باب من نوقش الحساب عذب) هو من النقش وهو استخراج الشوكة وتقدم بيانه في الجهاد؛ والمراد بالمناقشة الاستقصاء في المحاسبة والمطالبة بالجليل والحقير وترك المسامحة، يقال انتقشت منه حقي أي استقصيته.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ قَالَتْ قُلْتُ أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا قَالَ ذَلِكِ الْعَرْضُ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ وَأَيُّوبُ وَصَالِحُ بْنُ رُسْتُمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله (عن ابن أبي مليكة عن عائشة) قال الدار قطني: رواه حاتم بن أبي صغيرة عن عبد الله ابن أبي مليكة فقال ” حدثني القاسم بن محمد حدثتني عائشة ” وقوله أصح لأنه زاد، وهو حافظ متقن، وتعقبه النووي وغيره بأنه محمول على أنه سمع من عائشة وسمعه من القاسم عن عائشة فحدث به على الوجهين، قلت: وهذا مجرد احتمال، وقد وقع التصريح بسماع ابن أبي مليكة له عن عائشة في بعض طرقه كما في السند الثاني من هذا الباب فانتفى التعليل بإسقاط رجل من السند، وتعين الحمل على أنه سمع من القاسم عن عائشة ثم سمعه من عائشة بغير واسطة أو بالعكس، والسر فيه أن في روايته بالواسطة ما ليس في روايته بغير واسطة وإن كان مؤداهما واحدا، وهذا هو المعتمد بحمد الله.
قوله (عن النبي ) في رواية عبد بن حميد عن عبد الله بن موسى شيخ البخاري فيه ” سمعت النبي ”.
قوله (قالت قلت أليس يقول الله تعالى فسوف يحاسب) في رواية عبد ” قلت يا رسول الله إن الله يقول (فأما من أوتي كتابه بيمينه - إلى قوله - حسابا يسيرا) ” ولأحمد من وجه آخر عن عائشة ” سعت رسول الله يقول في بعض صلاته: اللهم حاسبني حسابا يسيرا، فلما انصرف قلت: يا رسول الله ما الحساب اليسير قال: أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه؛ إن من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك ” قوله في السند الثاني (مثله) تقدم في تفسير سورة انشقت بهذا السند ولم يسق لفظه أيضا، وأورده الإسماعيلي من رواية أبكر بن خلاد عن يحيى بن سعيد فقال مثل حديث عبيد الله بن موسى سواء.
قوله (تابعه ابن جريح ومحمد بن سليم وأيوب وصالح بن رستم عن ابن أبي مليكة عن عائشة) قلت متابعة ابن جريح ومحمد بن سليم وصلهما أبو عوانة في صحيحه من طريق أبي عاصم عن ابن جريج وعثمان بن الأسود ومحمد بن سليم كلهم عن ابن أبي مليكة عن عائشة به، (تنبيهان) : أحدهما اختلف على ابن جريح في سند هذا الحديث، فأخرجه ابن مردويه من طريق أخرى عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة مختصرا ولفظه ” من حوسب يوم القيامة عذب”، ثانيهما محمد بن سليم هذا جزم أبو علي الجياني بأنه أبو عثمان المكي وقال: استشهد به البخاري في الرقاق، وفرق بينه وبين محمد بن سليم البصري وهو أبو هلال الراسبي استشهد به البخاري في التعبير، وأما المزي فلم يذكر أبا عثمان في التهذيب بل اقتصر على ذكر أبي هلال وعلم علامة التعليق على اسمه في ترجمة ابن أبي مليكة وهو الذي هنا وعلى محمد بن سيرين وهو الذي في التعبير، والذي يظهر تصويب أبي علي، ومحمد بن سليم أبو عثمان المذكور ذكره البخاري في التاريخ فقال: يروى عن ابن أبي مليكة وروى عنه وكيع، وقال ابن أبي حاتم روى عنه أبو عاصم ونقل عن إسحاق ابن منصور عن يحيى بن معين قال هو ثقة، وقال أبو حاتم صالح، وذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات، وأما متابعة أيوب فوصلها المؤلف في التفسير من رواية حماد بن زيد عن أيوب ولم يسق لفظه، وأخرجه أبو عوانة في صحيحه عن إسماعيل القاضي عن سليمان شيخ البخاري فيه ولفظه ” من حوسب عذب، قالت عائشة: فقلت يا رسول الله فأين قول الله تعالى (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا) قال: ذاك العرض، ولكنه من نوقش الحساب عذب ” وأخرجه من طريق همام عن أيوب بلفظ ” من نوقش عذب فقالت كأنها تخاصمه فذكر نحوه وزاد في آخره: قالها ثلاث مرات ” وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن حماد بلفظ ” ذاكم العرض ” بزيادة ميم الجماعة، وأما متابعة صالح بن رستم بضم الراء وسكون المهملة وضم المثناة وهو أبو عامر الحزاز بمعجمات مشهور بكنيته أكثر من اسمه فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده، عن النضر بن شميل عن أبي عامر الخزاز، ووقعت لنا بعلو في ” المحامليات ” وفي لفظه زيادة ” قال عن عائشة قالت قلت إني لأعلم أي آية في القرآن أشد، فقال لي النبي : وما هي قلت (من يعمل سوءا يجز به) فقال: إن المؤمن يجازى بأسوأ عمله في الدنيا يصيبه المرض حتى النكبة، ولكن من نوقش الحساب يعذبه، قالت قلت: أليس قال الله تعالى ” فذكر مثل حديث إسماعيل بن إسحاق، وأخرجه الطبري وأبو عوانة وابن مردويه من عدة طرق عن أبي عامر الخزاز نحوه.
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ قوله (حاتم بن أبي صغيرة) بفتح المهملة كسر الغين المعجمة وكنية حاتم أبو يونس واسم أبي صغيرة مسلم وقد قيل إنه زوج أم أبي يونس وقيل جده لأمه.
قوله (ليس احد يحاسب يوم القيامة إلا هلك، ثم قال أخيرا: وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب) وكلاهما يرجعان إلى معنى واحد لأن المراد بالمحاسبة تحرير الحساب فيستلزم المناقشة ومن عذب فقد هلك، وقال القرطبي في ” المفهم ” قوله ” حوسب ” أي حساب استقصاء وقوله ” عذب ” أي في النار جزاء على السيئات التي أظهرها حسابه، وقوله ”هلك ” أي بالعذاب في النار، قال: وتمسكت عائشة بظاهر لفظ الحساب لأنه يتناول القليل والكثير.
قوله (يناقش الحساب) بالنصب على نزع الخافض والتقدير يناقش في الحساب.
قوله (أليس قد قال الله تعالى) تقدم في تفسير سورة انشقت من رواية يحيى القطان عن أبي يونس بلفظ ” فقلت يا رسول الله جعلني الله فداءك أليس يقول الله تعالى”.
قوله (إنما ذلك العرض) في رواية القطان ” قال ذاك العرض تعرضون ومن نوقش الحساب هلك ” وأخرج الترمذي لهذا الحديث شاهدا من رواية همام عن قتادة عن أنس رفعه ” من حوسب عذب ” وقاله غريب، قلت: والراوي له عن همام على بن أبي بكر صدوق وربما أخطأ، قال القرطبي: معنى قوله ” إنما ذلك العرض ” أن الحساب المذكور في الآية إنما هو أن تعرض أعمال المؤمن عليه حتى يعرف منة الله عليه في سترها عليه في الدنيا وفي عفوه عنها في الآخرة كما في حديث ابن عمر في النجوى، قال عياض: قوله ” عذب ” له معنيان أحدهما أن نفس مناقشه الحساب وعرض الذنوب والتوقيف على قبيح ما سلف والتوبيخ تعذيب، والثاني أنه يفضي إلى استحقاق العذاب إذ لا حسنة للعبد إلا من عند الله لإقداره عليها وتفضيله عليه بها وهدايته لها ولأن الخالص لوجهه قليل، ويؤيد هذا الثاني قوله في الرواية الأخرى ” هلك ” وقال النووي: التأويل الثاني هو الصحيح لأن التقصير غالب على الناس، فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك، وقال غيره: وجه المعارضة أن لفظ الحديث عام في تعذيب كل من حوسب ولفظ الآية دال على أن بعضهم لا يعذب؛ وطريق الجمع أن المراد بالحساب في الآية العرض وهو إبراز الأعمال وإظهارها فيعرف صاحبها بذنوبه ثم يتجاوز عنه، ويؤيده ما وقع عند البزار والطبري من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير ” سمعت عائشة تقول: سألت رسول الله عن الحساب اليسير قال: الرجل تعرض عليه ذنوبه ثم يتجاوز له عنها ” وفي حديث أبي ذر عند مسلم ” يؤتي بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه ” الحديث وفي حديث جابر عند ابن أبي حاتم والحاكم ” من زادت حسناته على سيئاته فذاك الذي يدخل الجنة بغير حساب، ومن استوت حسناته وسيئاته فذاك الذي يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة، ومن زادت سيئاته على حسناته فذاك الذي أوبق نفسه وإنما الشفاعة في مثله ” ويدخل في هذا حديث ابن عمر في النجوى وقد أخرجه المصنف في كتاب المظالم وفي تفسير سورة هود وفي التوحيد وفيه ” ويدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول: أعملت كذا وكذا فيقول: نعم فيقرره، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ” وجاء في كيفية العرض ما أخرجه الترمذي من رواية على بن على الرفاعي عن الحسن عن أبي هريرة رفعه ” تعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: فأما عرضتان فجدال ومعاذير وعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله ” قال الترمذي: لا يصح لأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد رواه بعضهم عن على بن على الرفاعي عن الحسن عن أبي موسى انتهى، وهو عند ابن ماجه وأحمد من هذا الوجه مرفوعا، وأخرجه البيهقي في البعث بسند حسن عن عبد الله بن مسعود موقوفا، قال الترمذي الحكيم: الجدال للكفار يجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوا نجوا، والمعاذير اعتذار الله لآدم وأنبيائه بإقامته الحجة على أعدائه، والثالثة للمؤمنين وهو العرض الأكبر، (تنبيه) : وقع في رواية لابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا ” لا يحاسب رجل يوم القيامة إلا دخل الجنة ” وظاهره يعارض حديثها المذكور في الباب، وطريق الجمع بينهما أن الحديثين معا في حق المؤمن، ولا منافاة بين التعذيب ودخول الجنة لأن الموحد وإن قضى عليه بالتعذيب فإنه لا بد أن يخرج من النار بالشفاعة أو بعموم الرحمة.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ
حديث أنس ” يجاء بالكافر ” ذكره من رواية هشام الدستوائي ومن رواية سعيد وهو ابن أبي عروبة كلاهما عن قتادة وساقه بلفظ سعيد، وأما لفظ هشام فأخرجه مسلم والإسماعيلي من طرق عن معاذ بن هشام عن أبيه بلفظ ” يقال للكافر ” والباقي مثله وهو بضم أول يجاء ويقال، وسيأتي بعد باب في ” باب صفة الجنة والنار ” من رواية أبي عمران الجوني عن أنس التصريح بأن الله سبحانه هو الذي يقول له ذلك ولفظه ” يقول الله عز وجل لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة: لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدى به فيقول نعم ” ورواه مسلم والنسائي من طريق ثابت عن أنس، وظاهر سياقه أن ذلك يقع للكافر بعد أن يدخل النار ولفظه ” يؤتى بالرجل من أهل النار فيقال يا ابن آدم كيف وجدت مضجعك فيقول: شر مضجع، فيقال له: هل تفتدي بقراب الأرض ذهبا فيقول نعم يا رب، فيقال له كذبت ” ويحتمل أن يراد بالمضجع هنا مضجعه في القبر فيلتئم مع الروايات الأخرى.
قوله (فيقال له) زاد مسلم في رواية سعيد كذبت.
قوله (فد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك) في رواية أبي عمران فيقول ” أردت منك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك شيئا، فأبيت إلا أن تشرك بي ” وفي رواية ثابت ” قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل فيؤمر به إلى النار ” قال عياض: يشير بذلك إلى قوله تعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) الآية فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا فهو مؤمن، ومن لم يوف به فهو الكافر، فمراد الحديث أردت منك حين أخذت الميثاق فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك، ويحتمل أن يكون المراد بالإرادة هنا الطلب والمعنى أمرتك فلم تفعل، لأنه سبحانه وتعالى لا يكون في ملكه إلا ما يريد، واعترض بعض المعتزلة بأنه كيف يصح أن يأمر بما لا يريد والجواب أن ذلك ليس بممتنع ولا مستحيل، وقال المازري: مذهب أهل السنة أن الله تعالى أراد إيمان المؤمن وكفر الكافر، ولو أراد من الكافر الإيمان لآمن، يعني لو قدره عليه لوقع، وقال أهل الاعتزال: بل أراد من الجميع الإيمان فأجاب المؤمن وامتنع الكافر، فحملوا الغائب على الشاهد لأنهم رأوا أن مريد الشر شرير والكفر شر فلا يصح أن يريده الباري، وأجاب أهل السنة عن ذلك بأن الشر شر في حق المخلوقين، وأما في حق الخالق فإنه يفعل ما يشاء، وإنما كانت إرادة الشر شرا لنهي الله عنه، والباري سبحانه ليس فوقه أحد يأمره فلا يصح أن تقاس إرادته على إرادة المخلوقين، وأيضا فالمريد لفعل ما إذا لم يحصل ما أراده آذن ذلك بعجزه وضعفه والباري تعالى لا يوصف بالعجز والضعف فلو أراد الإيمان من الكافر ولم يؤمن لآذن ذلك بعجز وضعف، تعالى الله عن ذلك، وقد تمسك بعضهم بهذا الحديث المتفق على صحته، والجواب عنه ما تقدم، واحتجوا أيضا بقوله تعالى (ولا يرضى لعباده الكفر) وأجيبوا بأنه من العام المخصوص بمن قضى الله له الإيمان، فعباده على هذا الملائكة ومؤمنو الإنس والجن وقال آخرون: الإرادة معنى الرضا، ومعنى قوله (ولا يرضى) أي لا يشكره لهم ولا يثيبهم عليه، فعلى هذا فهي صفة فعل، وقيل معنى الرضا أنه لا يرضاه دينا مشروعا لهم، وقيل الرضا صفة وراء الإرادة، وقيل الإرادة تطلق بإزاء شيئين إرادة تقدير وإرادة رضا، والثانية أخص من الأولى والله أعلم، وقيل: الرضا من الله إرادة الخير كما أن السخط إرادة الشر، وقال النووي: قوله ” فيقال له كذبت ” معناه لو رددناك إلى الدنيا لما افتديت لأنك سئلت أيسر من ذلك فأبيت، ويكون من معنى قوله تعالى (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) وبهذا يجتمع معنى هذا الحديث مع قوله تعالى (لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به) ، قال: وفي الحديث من الفوائد جواز قول الإنسان يقول الله خلافا لمن كره ذلك، وقال: إنما يجوز قال الله تعالى وهو قول شاذ مخالف لأقوال العلماء من السلف والخلف، وقد تظاهرت به الأحاديث، وقال الله تعالى (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) .
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي خَيْثَمَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ثُمَّ يَنْظُرُ فَلَا يَرَى شَيْئًا قُدَّامَهُ ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ قَالَ الْأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عَمْرٌو عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثُمَّ قَالَ اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلَاثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ
قوله (حدثني خيثمة) بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها مثلثة هو ابن عبد الرحمن الجعفي.
قوله (عن عدي بن حاتم) هو الطائي.
قوله (ما منكم من أحد) ظاهر الخطاب للصحابة، ويلتحق بهم المؤمنون كلهم سابقهم ومقصرهم أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة.
قوله (إلا سيكلمه الله) في رواية وكيع عن الأعمش عنه ابن ماجه ” سيكلمه ربه”.
قوله (ليس بينه وبينه ترجمان) لم يذكر في هذه الرواية ما يقول وبينه في رواية محل بن خليفة عن عدي بن حاتم في الزكاة بلفظ ” ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له، ثم ليقولن له: ألم أوتك مالا فيقول: بلى ” الحديث والترجمان تقدم ضبطه في بدء الوحي في شرح قصه هرقل.
قوله (ثم ينظر فلا يرى قدامه) بضم القاف وتشديد الدال أي أمامه ووقع في رواية عيسى بن يونس عن الأعمش في التوحيد وعند مسلم بلفظ ” فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدمه، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ” وأخرجه الترمذي من رواية أبي معاوية بلفظ ” فلا يرى شيئا إلا شيئا قدمه ” وفي رواية محل بن خليفة ” فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، وينظر عن شماله فلا يرى إلا النار ” وهذه الرواية مختصرة ورواية خيثمة مفسرة فهي المعتمدة في ذلك، وقوله أيمن وأشأم بالنصب فيهما على الظرفية والمراد بهما اليمين والشمال، قال ابن هبيرة: نظر اليمين والشمال هنا كالمثل لأن الإنسان من شأنه إذا دهمه أمر أن يلتفت يمينا وشمالا يطلب الغوث، قلت: ويحتمل أن يكون سبب الالتفات أنه يترجى أن يجد طريقا يذهب فيها ليحصل له النجاة من النار فلا يرى إلا ما يفضي به إلى النار كما وقع في رواية محل بن خليفة.
قوله (ثم ينظر بين يديه فتسق بله النار) في رواية عيسى ” وينظر بين يده فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ” وفي رواية أبي معاوية ” ينظر تلقاء وجهه فتستقبله النار ” قال ابن هبيرة: والسبب في ذلك أن النار تكون في ممره فلا يمكنه أن يجيد عنها إذ لا بد له من المرور على الصراط.
قوله (فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة) زاد وكيع في روايته ” فليفعل ” وفي رواية أبي معاوية ” أن يقي وجهه النار ولو بشق تمرة فليفعل ” وفي رواية عيسى ” فاتقوا النار ولو بشق تمرة ” أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية من الصدقة وعمل البر ولو بشيء يسير.
قوله (قال الأعمش) هو موصول بالسند المذكور، وقد أخرجه مسلم من رواية معاوية عن الأعمش كذلك، وبين عيسى بن يونس في روايته أن القدر الذي زاده عمرو بن مرة للأعمش في حديثه عن خيثمة قوله في آخره ” فمن لم يجد فبكلمة طيبة ” وقد مضى الحديث بأتم سياقا من هذا في رواية محل بن خليفة في الزكاة.
قوله (حدثني عمرو) هو ابن مرة وصرح به رواية عيسى بن يونس. قوله (اتقوا النار ثم أعرض وأشاح) بشين معجمة وحاء مهملة أي أظهر الحذر منها، وقال الخليلي: أشاح بوجهه عن الشيء نحاه عنه، وقال الفراء المشيح الحذر والجاد في الأمر والمقبل في خطابه، فيصح أحد هذه المعاني أو كلها أي حذر النار كأنه ينظر إليها أو جد على الوصية باتقائها أو أقبل على أصحابه في خطابه بعد أن أعرض عن النار لما ذكرها، وحكى ابن التين أن معنى أشاح صد وانكمش، وقيل صرف وجهه كالخائف أن تناله، قلت: والأول أوجه لأنه قد حصل من قوله أعرض، ووقع في رواية أبي معاوية في أوله ” ذكر رسول الله النار فأعرض وأشاح ثم قال اتقوا النار”. قوله (ثلاثا) في رواية أبي معاوية ” ثم قال اتقوا النار، وأعرض وأشاح حتى ظننا أنه كان ينظر إليها ” وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية جرير عن الأعمش، قال ابن هبيرة وابن أبي جمرة في حديث إن الله يكلم عباده المؤمنين في الدار الآخرة بغير واسطة: وفيه الحث على الصدقة، قال ابن أبي جمرة: وفيه دليل على قبول الصدقة ولو قلت، وقد قيدت في الحديث بالكسب الطيب، وفيه إشارة إلى ترك احتقار القليل من الصدقة وغيرها، وفيه حجة لأهل الزهد حيث قالوا الملتفت هالك يؤخذ من أن نظر المذكور عن يمينه وعن شماله فيه صورة الالتفات فلذا لما نظر أمامه استقبلته النار، وفيه دليل على قرب النار من أهل الموقف، وقد أخرج البيهقي في البعث من مرسل عبد الله بن باباه بسند رجاله ثقات رفعه ” كأني أراكم بالكوم جثى من دون جهنم ” وقوله ” جثى ” بضم الجيم بعدها مثلثة مقصور جمع جاث، والكوم بفتح الكاف الواو الساكنة المكان العالي الذي تكون عليه أمة محمد كما ثبت في حديث كعب بن مالك عند مسلم أنهم يكونون يوم القيامة على تل عال، وفيه أن احتجاب الله عن عباده ليس بحائل حسي بل بأمر معنوي يتعلق بقدرته، يؤخذ من قوله ثم ينظر فلا يرى قدامه شيئا، وقال ابن هبيرة المراد بالكلمة الطيبة هنا يدل على هدى أو يرد عن ردى أو يصلح بين اثنين أو يفصل بين متنازعين أول يحل مشكلا أو يكشف غامضا أو يدفع ثائرا أو يسكن غضبا، والله سبحانه وتعالى أعلم.(فتح الباري), مما تقدم من الحديث النبوي الشريف عن الرواة نعلم أن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم
لمن سارع في التوبة وكان من الصالحين ولكنه كذلك شديد العقاب على من كابر وعصاه ومات على الشرك والكفروالعصيان ألهم أهمنا الصبر وإجعلنا من التوابين الأوابين وإرحمنا برحمتك وإعفوا عنا بعفوك ياأرحم الراحمين وياأكرم الأكرمين وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وبعد: إخواني وأخواتي في الله الكرام عنه : قوله: (أخبرنا علي بن مسعدة الباهلي) أبو حبيب البصري صدوق له أوهام من السابعة.
قوله: (كل ابن آدم خطاء) أي كثير الخطأ أفرد نظراً إلى لفظ الكل، وفي رواية خطاؤون نظراً إلى معنى الكل، قيل أراد الكل من حديث هو كل أو كل واحد. وأما الأنبياء صلوات الله عليهم فإما مخصوصون عن ذلك، وإما أنهم أصحاب صغائر. والأول أولى فإن ما صدر عنهم من باب ترك الأولى، أو يقال: الزلات المنقولة عن بعضهم محمولة على الخطأ والنسيان من غير أن يكون لهم قصد إلى العصيان قاله القاري (وخير الخطائين التوابون) أي الرجاعون إلى الله بالتوبة من المعصية إلى الطاعة. فنرجوا من الله عز وجل أن نكون من التوابون إلى الله عن جميع الذنوب والآثام والخطايا وأن يتقبل منا صالح عملنا أمين